مغامرات ندى [القصة الثامنة].
إضراب العصافير
ندى طفلة صغيرة له حجرة تدخلها الشمس عند
الشروق، وتستدير عنها عند الغروب.
ندى تستمتع بالشمس كثيرًا وتراها أصل الحياة،
لكن هناك متعة أخرى لندى تتلقاها قبيل طلوع الشمس وهي صوت العصافير.
فعند نافذة ندى شجرة وارفة، ذات فروع ممتدة
تكاد تدخل من النافذة، ولكنها تبعث بدلا منها ظلالها لتحط على سرير ندى، ومكتبتها،
وتصنع بمعاونة الشمس من جدران غرفتها لوحة جميلة ذات تشكيلات بديعة.
تتغير هذه اللوحة من آن لأخر تبعا لاستدارة
الشمس، وأيضا لمداعبة النسيم لأوراق الشجرة، ثم تختفي تلك اللوحة عند الغروب، وتعود
من جديد مع شمس جديدة.
هذه الشجرة تبيت فوقها العصافير، وحينما
تستيقظ ندى وتتمطى مع بداية شقشقة فجر جديد تبدأ في الزقزقة.
تطرب ندى كثيرا لهذا الصوت البديع وتكلمها
قائلة:
- ما
أحلاك أيتها المخلوقات الصغيرة وما أبدع صوتك، سبحان من وهبك هذا التغريد الجميل أيتها
العصافير، وأنا أيضا لي صوت جميل، وأستطيع أن أقلدك وأزقزق مثلك أيتها العصافير.
ثم تضحك من كلامها، وتفتح زجاج نافذتها، فتدخل
بعض العصافير إلى حجرتها، فهي تشعر بالأمان في حضن ندى التي تسرع في احضار الحبوب
من قمح وأرز، وتفرد بها كفيها، فتأتي العصافير وتقف فوق كفيها، وكتفيها وتلتقط
طعامها سعيدة مزقزقة، وهو أيضا سعيد ومزقزق.
وذات يوم لم تضحك ندى من كلامها عندما قالت
للعصافير: «وأنا أيضا لي صوت جميل وأستطيع أن أقلدك وأزقزق مثلك».
هذه المرة فكرت في كلامها جديا، وبسرعة فتحت
النافذة، وصعدت فوقها، وأمسكت بفرع قوى قريب من نافذتها وتعلقت به، ورويدا رويدا
استطاعت أن تجلس عليه، ولم تفزع العصافير، أو تدهش من تصرف الطفلة بل راحت تدور
حوله وترحب به برفرفة، وزقزقة وصوصوة، ونغمات مبتكرة جعلتها تنتشي وتبدأ في
تقليدها.
ما أن شرعت ندى في تقليد العصافير حتى سكتت
العصافير وأضربت عن التغريد، وبدأت تخفض من زقزقتها ورفرفتها حولها حتى استقرت على
فروعها صامتة تنظر إلى بعضها البعض وعيونها تتساءل ماذا تفعل هذه الطفلة العجيبة؟!
ولكن ندى
لم تلحظ موقف العصافير واستمرت تزقزق، وتصوصو.. تزقزق، وتصوصو.. تزقزق، وتصوصو حتى
بح صوتها وشعرت به نشازا فسكتت.
وهنا أدركت ندى أنها كانت تقلد
الزقزقة والصوصوة وحدها، وأن العصافير لم تستمتع بصوتها فسكتت، خجلت من نفسها ونزلت
عن الفرع في هدوء، وأمضت اليوم فى حجرتها حزينة مفكرة.
وتساءلت عن السبب الذي جعل العصافير تكف عن
الزقزقة، رغم أنها مرّنت نفسها كثيرا على تقليد أصوتها، وأرادت أن تسعدها كما هي سعيدة
بها.
نامت ندى على هذه الحالة، ولكنها عندما استيقظت
في اليوم التالي، واستمعت إلى زقزقة العصافير من جديد عادت إليها سعادتها وعرفت أن
العصافير غير غاضبة منها، فأسرعت بفتح نافذتها واحضرت الحبوب.
دخلت العصافير إلى حجرة ندى تلتقط وجبتها من
كفيها، وتعاونت الشمس مع ظلال الشجرة في رسم لوحتها البديعة على جدران غرفتها
فأسرعت تدون في أجندتها هذه العبارة: «إذا أردت أن تغير في نظام الكون أفسدته».
سلسلة مغامرات ندى يتم نشرها مجتمعة تباعاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم.. نادية كيلاني