جولة مع عروس النيل 3
قصة عروس النيل
فى قديم الزمان كان هناك اعتقاد، مجرد اعتقاد
بأن النيل لا يجرى ولا يفيض إلا إذا زوجوه، وكان أهل مصر جميعا ينتقون له العروس أجمل عذراء، وما إن يقع الاختيار على فتاة فلا
يقدر أحد على الرفض ولا حتى والداها، ولا هى نفسها، وكانوا ينتزعون هذه الفتاة من
بين ذراعى أمها ونواحها، وتضرع أبيها وبكائه، ولكن مع احساسه بأن هذه التضحية
ضرورية لكى يعم الخير على البلاد كان يجفف دموعه، ويسلم ابنته ويتذرع بالصبر.
قالت ندى:
- إنه شىء صعب جدا.؟
- وكنت أنا ذات يوم عروساً للنيل، قبلتنى أمى وتوجهت إلى الله لكى
يرضى زوجي بي؛ ورضاء النيل معناه أن يفيض بالخير.
- أنا لا أتخيل ما تقولين :
- أما أنا فأرى نفسى الأن بين أيديهم، فى قلبي خوف ورجفة، وفي
عيونهم غبطة وحسد، أرى القصاب «الخياط» يحيك لى الثوب، أرى البنات يخلعن حليهن
ويلبسنها لى، هذا على الصدر، وذاك فوق الرأس، وهذان للذراعين أما ذاك فللخصر، فأسمع صوتا يقول:
- كل هذا المال والدلال
يذهب به إلى النيل .
- فاسمع الجواب من أفواه الجميع :
- لا بأس سيرده النيل علينا أضعافا مضاعفة خيرا وبركة ونماء، سيرده
فى زرع، وضرع «حيوان» وثمر مختلف الألوان،
وفى موكب مهيب أزف إلى النيل.
- وتكمل عروس النيل وندى فاغرة فمها:
- هل تعرفين قصة عمرو بن العاص مع النيل.؟
أسمع منك :
- قيل لما فتح المسلمون مصر جاء كبار أهلها لعمرو بن العاص رضى
الله عنه وقالوا :
«أيها الأمير لبلادنا سنة لا يجرى النيل إلا بأدائها، وذلك
أنه إذا كان لاثنتى عشرة ليلة خلون من شهر بؤونه عمدنا إلى جارية بكر فأرضينا أبويها
وجعلنا عليها من الحلى والثياب أفضل ما يكون وألقيناها فى النيل ليجرى»
فقال عمرو بن العاص
رضى الله عنه :
- «إن هذا فى الإسلام لا يكون»
قالت ندى بدهشة:
- بؤونة ماذا تعنى
هده الكلمة.؟
هذه شهور قبطية :
أكملى:
- ومر شهر بؤونه، وأبيب، ومسرى والنيل لا يجرى والناس فى هم، فلما
رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعلمه بذلك، فقال عمر رضى الله
عنه:
- «ابعث إليك ببطاقة فألقها فى النيل»
- وماذا كان فى هذه البطاقة.؟
- «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر العظيم، أما بعد فإن
كنت تجرى من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القهار هو الذى يجريك، فنسأل الله
الواحد القهار أن يجريك»
- وهل ألقى عمرو بن العاص بالبطاقة فى النيل.؟
- نعم ألقاها بعد أن قرأها أمام الناس، وتقول الرواية إن النيل جرى
بعدها ست عشرة ذراعا .
قالت ندى:
- ولكن هذه أسطورة.؟
قالت عروس النيل :
- ولو يا ندى، فرغم أنها أسطورة إلا أن القصة نفسها تدل على مدى
أهمية النيل فى نفوس المصريين.
قالت ندى
:
- ذكر بعض المفسرين أن يوم وفاء النيل هو اليوم الذى وعد فيه فرعون
موسى عليه السلام بالاجتماع، وهو قوله تعالى إخبارا عن فرعون :
« قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى»
قالت العروس:
- على كل حال فأنتم حتى الآن تحتفلون بوفاء النيل وتنشرون الأعلام
على سفينة خاصة فى موكب مهيب يبدأ من حى مصر القديمة .
ابتهجت ندى ولمعت
عيناها وتذكرت أنها شاهدت هذا المشهد فقالت:
- نعم فى منتصف شهر سبتمبر تقريبا من كل عام وهو شهر الفيضان، تصنع
سفينة تشبه السفن الفرعونية لها أعمدة، ولكل عمود تاج يشبه زهرة اللوتس المتفتحة،
وخلفها عدد من سفن أصغر حجما مزخرفة برسوم فرعونية، وفى الموعد المحدد ومن عند نيل
مصر القديمة تبدأ مراسم الاحتفال، ويلقون بدمية مصممة نصفها الأعلى فتاة جميلة
ونصفها الأسفل سمكة، ويقف رئيس الاحتفال يقول:
«اعترافا من أبناء مصر، بما يقدمه لهم النيل
العظيم من خير وحياة نحتفل اليوم، كما احتفل أجدادنا منذ آلاف السنين، بعيد فيضان
النيل»
ترد عروس النيل:
- ورغم أنكم عرفتم أنها أسطورة إلا أن دلالتها الجميلة لا يمكن أن
تمحوها من الوجدان المصرى فهى تدل على عظمة النيل، وأهميته فى حياة البشر، كما تدل
على الوفاء من ناحية أخرى.
قالت ندى:
- لكن المياه كثيرة وأنا أراها فى كل مكان.
قالت العروس:
- كل هذا الماء ذاهب إلى البحر المتوسط، ومن هنا كان التفكير فى
بناء السدود، وأكبرها وأعظمها في أسوان.. هيا بنا إلى السد العالي.
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم.. نادية كيلاني