السمكة فى بيت الصياد


السمكة فى بيت الصياد
 
خرج الصياد كعادته كل صباح متوكلا على الله قاصدا رزقه، ومعه غلام صغير يستأجره يدربه على العمل ويحمل عنه صنارته وسلته، وطعم سمكته، وبعض الأشياء التى يحتاج إليها من طعام ، وشراب يكفى يومه الذى يقضيه على شاطىء البحر.

صيادنا رجل طيب القلب لا يصطاد السمك الصغير لأنه ثروة قومية، ويفضل أن يتركه حتى يكبر وينجب أسماكا صغيرة كثيرة ثم يصطاد الكبير، فكان إذا وقعت فى صنارته سمكة صغيرة أعادها إلى المياه وهو يقول:

- انتظرى حتى تكبرى

ولكن السمكة بعد أن أعادها الصياد للمياه سبحت وعادت إلى صنارة الصياد وتعلقت بها، ولما شعر الصياد بحركة الصنارة، وعرف أن هناك سمكة تعلقت بها قال:

- يا رب.. بسم الله.

ورفع الصنارة فإذا بها السمكة الصغيرة نفسها، وتعجب الصياد وهز كتفيه محدثا نفسه : "هذه هى نفس السمكة"

ورفع يده بالسمكة وبكل قوته رمى بها إلى مسافة أبعد وهو يردد عبارته:

- انتظرى حتى تكبرى

ورمى الصياد صنارته هذه المرة بعد أن غذاها بالطعم وهو لا يدرى أن ذات السمكة تسبح بسرعة حتى تصل إلى صنارته قبل أن تسبقها غيرها، وتتعلق بها

رفع الصياد صنارته وهو يقول:

يا رب .. بسم الله .

وما أن رأى السمكة نفسها حتى أصابته الدهشة، وقبل أن يسأل نفسه ماذا يفعل

سمع صوتا ضعيفا يقول له :

- انتظر لا تلقى بى .

عرف الصياد أنه صوت السمكة فنظر إليها مندهشا وسألها :

- هل أنت التى تتكلم ؟

- نعم ، وأرجوك لا تلقى بى فى البحر ثانية.

قال الصياد مندهشا :

- لماذا يا سمكة، فأنت لا تزالين صغيرة، وأنا لا أصطاد السمك الصغير.

قالت السمكة:

- ولكنى لا أحب العودة إلى الماء ، وأفضل أن تأخذنى معك.

قال الصياد فى نفسه : "هذه سمكة متهورة ولابد أن آخذها بالحيلة"

- اسمعى يا سمكة الآن سوف أعيدك إلى البحر وأعدك عندما تكبرين سوف أحضر صنارتى وأصطادك، ما رأيك أليست فكرة رائعة؟

قالت السمكة :

- ولكن من الممكن ألا أكبر.

- لماذا يا سمكة فكل صغير لابد له أن يكبر .

- فى البحر عادة سيئة تجعلنى لا أثق فى أننى سوف أكبر، وأفضل أن تأخذنى معك الآن .

قال الصياد مندهشا:

- وما هى هذه العادة السيئة يا سمكة.. ؟

- فى البحر يأكل السمك الكبير السمك الصغير، وهذا يجعلنى غير مطمئنة، وأفضل أن يأكلنى الانسان فأحقق له فائدة صحية عظيمة، ولا تضيعنى سمكة كبيرة لا ترحم فى جوفها.

ابتسم الصياد قال :

- أنت سمكة ذات فطنة وذكاء.. وبالفعل يجب فعلا على الكبير أن يرحم الصغير، ولكن ماذا أفعل بك وانت صغيرة جدا ولا تشبعين طفلا.

قالت السمكة:

- خذنى وربنى عندك حتى أكبر.

فال الصياد:

- مرة أخرى تثبتين فطنتك.

سأخذك معى، وأضعك فى حوض زجاجى جميل يليق بحكمتك وذكائك، وأضع لك الطعام المناسب حتى تكبرى،

وسوف تنجبين أسماكا كثيرة لها نفس ذكائك، وحكمتك.

أخذ الصياد السمكة إلى بيته وهو سعيد بها، جهز لها حوضا زجاجيا مناسبا وضعها بداخله وهو يلاغيها ويداعبها، وكأنها طفلته الجميلة، ثم جلس أمامها هو والصبى يتناولان عشاءهما كعادتهما كل مساء.

صباح اليوم التالى استأذن الصياد من السمكة بأنه ذاهب إلى البحر يبحث عن رزق اليوم، وتمنى لها قضاء يوم سعيد، تمرح فيه وحدها فى آمان.

خرج الصياد ومعه الصبى الصغير، وعادا في آخر اليوم يحملان رزقهما.

ألقى الصياد بتحيته على السمكة النجيبة، وجلس وصبيه أمامها يقتسمان السمك الذى حصلا عليه اليوم.

قال الرجل:

- رزقنا اليوم وفير وسيكون نصيبك أيها الفتى كبيرا، يكفى لعشائك ويمكنك بيع الباقى.

نهض الصبى واقفا وقال بحدة على غير عادته:

- أنت تعطينى الثلث وهذا لا يكفى، أريد النصف مثلك تماما.

- كيف أيها الصبى الطيب ؟ فأنت لاتزال صغيرا، وليس لديك مسئولياتى، ثم أننى أدربك لكى تكون صيادا ماهرا فى المستقبل، وأعطيك ثلث السمك مقابل معاونتك القليلة لى.

رد الولد بحدة :

- قلت لك هذا الثلث لا يكفينى، فأنا أريد أن أدخر مالا كثيرا حتى أصبح غنيا.. ثم أنك بدونى لا تستطيع الذهاب إلى البحر، فيجب أن تستجيب لطلباتى.

قال الرجل :

- لقد صرت ولدا طماعا ومتعجلا للكسب وهما صفتان مذمومتان فى الانسان، يجب ياولدى أن تتخلص منهما فورا وتعود ولدا طيبا ومطيعا كما كنت.. وتنتظر حتى يشتد عودك وتصبح صيادا بارعا وتستقل بحياتك.

رد الولد :

- ما دمت لا تريد أن تعطينى حقى طواعية فسوف أحصل عليه عنوة.

انتزع الصبى السمك كله من يد الصياد وأسرع به خارجا،

وبينما الصياد يقف مذهولا غير مصدق إذا بالسمكة تضرب رأسها فى زجاج الحوض وتجرى هنا وهناك محدثة جلبة وهى تصيح:

- لا أريد أن أبقى.. لا أريد أن أبقى.

أسرع إليها الصياد يسألها:

- ماذا دهاك أيتها السمكة ؟

قال السمكة :

- أرجوك أعدنى إلى البحر .. لا أريد أن أبقى هنا بعد الآن.

- لماذا يا سمكة وما زلت صغيرة ، وتخشين أن يأكلك السمك الكبير.

أجابت السمكة :

- هذا أفضل.. فى البحر يأكل الكبير الصغير، أما عندكم فيأكل الصغير الكبير، لذلك أتوسل إليك أن تعيدنى إلى البحر.

امتثل الصياد الطيب لرغبة السمكة، وفى الصباح الباكر حملها معه، وحمل عدته، ومشى ببطىء خطوة، خطوة يعانى من ثقل ما يحمل حتى وصل إلى البحر وقف على الشط يودع السمكة ثم يطوحها فى المياه ويجلس حزينا لفراقها.

 فى البحر التقت السمكة بصويحباتها، فرح الجميع بعودتها لكنهم وجدوها حزينة فالتفوا حولها يسألنها عن السبب ؟

جلست السمكة بين أترابها تقص عليهن قصتها، فقالت لها سمكة تحبها .

- لا تخشى شيئا نستطيع أن نتكاتف ونحمى أنفسنا من السمك الكبير.

قالت السمكة :

- ولكنى أريد أن نتكاتف ونلقن الصياد الصغير درسا ينفعه فى حياته، ويعلمه كيف يحتاج الصغير للكبير مثلما يحتاج الكبير للصغير.

قالت السمكات :

- مرينا فنحن نعلم حسن تدبيرك .

قالت السمكة:

- إذا جاء الصبى ورمى صنارته علينا أن نفسد له الطعم الذى بها ثم نسحب خيط الصنارة وندخله بين الصخور والاعشاب، فإذا حاول سحب الصنارة ووجدها معلقة بشىء ثقيل ظنه سمكة كبيرة، فيجذب الصنارة بعنف فتتمزق عن آخرها.

صدقت السمكات على كلامها، وأثناء حديثهن رأين الصياد الصغير يقترب من البحر ويغنى،

ولما رأى الصياد الكبير جالسا حزينا تجاهله، وألقى بصنارته متظاهرا بالمهارة.

سحب الصبى الصنارة فإذا بها فارغة من الطعم، فملأها بطعم جديد ورمى بها وانتظر حتى "غمزت: فسحب الصنارة، فإذا بها أيضا خالية من الطعم مثل المرة الأولى، وهكذا عدة مرات حتى نفد صبره، فنظر إلى الرجل وقال له:

- أنت تفسد على الرزق سأذهب إلى الجانب الآخر لعل رزقى يكون أفضل.

قال الرجل:

- لا يابنى.. الجانب الأخر كثير الأعشاب والصخور يفسد عليك صنارتك فلا تذهب إليه.

ضحك الولد وقال:

- وهل من المعقول أنك تقدم لى نصيحة بعد الذى فعلته معك، لابد أنك تضللنى

ضحك الولد أكثر وقال :

- وأطمئنك فصنارتى جديدة وخيطها متين، ويستطيع جذب أكبر سمكة فى المنطقة.

ذهب الولد إلى الجانب الآخر وهذا ما تبغيه السمكة وزميلاتها فتمكن بالتعاون من جذب الصنارة ورشقها فى الأعشاب ولفها حول صخرة كبيرة.

ظل الصبى يجذب الصنارة، ويجذب حتى انكفأ على وجهه فى الماء .

ضحكت السمكات وفرحت بنتيجة فعلتها وأخذت تمرح وتقفز فى الماء.. لكنهن توقفن مذهولات إذ رأين الصياد الكبير يسرع لانقاذ الصبى ويضمد جراحه ويقول له :

- احترس على نفسك يا بنى .

وانقلبت دهشة السمكات سعادة غامرة إذ رأين الصبى ينحنى ويقبل يد الرجل الكبير ويقول له : سامحنى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم.. نادية كيلاني