مغامرات ندى :
2 ـ ندى والكعب الشقى
:
- أنزلى يا ندى من فوق حذائي ستقعين أو
ينكسر الكعب.
- لا تخافى يا ماما أنا خفيفة.
أكثر ما
يسعد الصغيرة الحبوبة ندى هو أن تقلد أمها فكثيرا ما تجد نفسها أمام المرآة وقد
وضعت على وجهها نظارة أمها أو تتحسس رقبتها وهى تلبس عقدها الجميل وتكون فى قمة
سعادتها حين تنزحلق قدميها الصغيرتين في حذاء أمها ذا الكعب العالي وتجد قامتها
وقد ارتفعت بضع سنتيمترات..ثم.. تأخذ في التنقل بخطوات متأرجحة ومرددة جملتها
الأثيرة.
- أنا أصبحت كبيرة مثل ماما.!
ورغم
سعادة ماما بتصرفات البنوتة الصغيرة ندى، وتبتسم وهى تراها تتبختر بالكعب وتدق به
فوق الأرض ورغم بقاء أكثر من نصف الحذاء خاليا إلا أن قلبها يدق من خلفها خوفا من
أن تسقط على الأرض وتصاب بأذى فتناغيها برقة:
- انتظرى حتى تكبري وتلبسي الكعب العالي.
وترد
الصغيرة:
- أريد أن أكبر بسرعة.
وحدث ما
كانت تتوقعه الأم فبينما الصغيرة تتنقل بالحذاء المرتفع جيئة وذهابا حتى تسللت ذات
يوم وخرجت من باب الشقة لتجرب النزول به فوق الدرج، وما أن خطت أولى خطواتها على
الدرج حتى اضطربت خطواتها ولم تستطع حفظ توازنها فتزحلقت قدميها ووقعت بالحذاء
الذي راحت فردتيه تتسابقان هبوطا فوق الدرج وعندما استقرتا كانت كل واحدة منهما قد
انكسر كعبها.
صرخت ندى
واسرعت الام بحمل الصغيرة وتحسستها وبعد أن اطمأنت عليها، جمعت فردتي الحذاء والكعبين
ووضعت الجميع فى كيس بلاستيك وهى تقول:
- غدا أذهب به إلى من يصلحه.
جلست ندى
في زاوية من حجرتها صامتة تبدو في الظاهر أنها نادمة على فعلتها، ولكنها في
الحقيقة كانت تفكر في هذين الكعبين اللتين انفصلا عن حذاء ماما وقد خطرت لها فكرة
طائشة أسرعت بتنفيذها.
لماذا لا تركب الكعبين فى حذائها الصغير.؟
راقت لها
الفكرة فتسللت حيث الكعبين المكسورين وأخذتهما إلى حجرتها ثم احضرت الشاكوش
والمسامير وحذائها الصغير وبدأت تدق.. مرة واثنان وثلاث ولم تفلح في المهمة بل
وتعرضت للأذى عدة مرات فما أن تظن أنها نجحت في دق الكعب بالحذاء وتهم بوضع قدميها
بداخله حتى تسقط على الأرض تارة، أو تصرخ لأن مسمارا آلمها، أو تجد الكعب وقد
انفصل عن الحذاء مرة أخرى.
شعرت
الصغيرة بأنها في صراع عنيف مع هذا الكعب المتحرك، وتساءلت ما العمل.؟
ثم جلست
واضعة كفها اسفل ذقنها تفكر، وفجأة استعاد ذهنها عبارة أمها وهى تلملم اشلاء
الحذاء المتناثرة فوق الدرج وتضعها في الكيس البلاستيك وتقول:
- سوف أذهب به إلى عم رجب ليصلحه.. وهى
تعرف عم رجب فهو صاحب محل بجوار بيتها وهى تراه يوميا في ذهابها ورجوعها من
المدرسة منكبا على الأحذية يصلحها فتارة تراه يدق وتارة يخيط، وكثيرا ما تذهب إليه
بصحبة والدتها ليصلح لها حذاءها أو حذاء أمها.
فكرت ندى
وقدحت زناد ذهنها وصاحت:
- إنها فكرة رائعة هو عم رجب الذي ينجز
لها هذه المهمة الشاقة فهو الذي يمكنه أن يركب لها الكعب في الحذاء ويضبطه جيدا
فلا ينخلع ولا يشكها مسمار، والحذاء سيكون محبوكا عليها فلن تسقط من فوقه.
اطمأنت الشقية أن أمها مشغولة في إعداد الطعام
وفتحت باب الشقة وأسرعت وهى تحتضن حذاءها الصغير وفي كل يد كعب حذاء ماما وانطلقت
إلى عم رجب.
ما أن
شرحت ندى فكرتها الرائعة التي تخمرت في رأسها حتى انفجر الرجل في الضحك وهو يردد:
- هل حقا تريدين تركيب هذا الكعب فى
حذائك الصغير.؟
ثم
يعاوده الضحك قبل أن يتم جملته.
وقفت ندى
تتأمل الرجل وهو يضحك مندهشة ولكنها غاصت بعينيا داخل فمه الذى يشبه الكهف المهجور
تعد ما تبقى به من أسنان ودروس.
بعد أن
لملم الرجل نفسه واستطاع أن يتمالك نفسه أجلس الصغيرة إلى جواره وبدأ يشرح لها:
- لا
ينفع ما تقولين يا أمورة، فصناعة الحذاء تمر بعدة مراحل كل مرحلة منها مرتبطة
بالتى تليها وهناك ما يسمى بالقالب هذا القالب مصنوع من الخشب على هيئة القدم،
وهناك قوالب بجميع المقاسات، وهذا القالب هو الذى يدخل في الحذاء بدلا من القدم
أثناء التصنيع لكي يشد عليه الجلد والنعل، فإذا أردنا تصنيع حذاء بكعب أخذ القالب
شكلا مجوفا بطريقة معينة بحيث يكون في شكل القدم وهى مرفوعة، وفى هذه الحالة عندما
يركب الكعب لهذا الحذاء يكون مستريحا، أما فى حالة صناعة حذاء للصغيرات اللاتي
سيكبرن غدا يصنع القالب على شكل القدم وهى ملامسة للأرض فلا يصلح بعد ذلك أن يغير
هذا الشكل وإلا إختل التوازن وسقطت على الأرض.
أدركت
ندى سبب فشل كل محاولاتها هزت رأسها موافقة ثم شكرت عم رجب، وعادت تحمل الكعبين
وتقول فى نفسها:
سأعيد الكعبين إلى الحذاء
المناسب لهما وما على إلا الانتظار حتى أكبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم.. نادية كيلاني