ذو الحجة
الحج مؤتمر المسلمين، ومجلس أمنهم
اجتمعت أسرة ندى تودع الأب والأم فهما ذاهبان لأداء فريضة الحج..
قالت ندى:
- هل أنت سعيدة يا أمي لأنك ذاهبة للحج؟
قال الأم:
- نعم يا ندى لقد منَّ الله بكرمه عليَّ، بأن كتب لي أداء هذه
الفريضة.
قال أحمد:
- ولكن الحج تعب ومشقة عليك يا أمي عليك لأنه زحام كبير.
قال الاب:
- أتخشى على أمك فقط يا أحمد؟
- وعليك أيضا يا أبي، ولا تنسى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وصى
بالأم ثلاثا.
- معك حق، وأطمئنك هذا ليس زحاما، هذا تجميع لأبناء الأمة الإسلامية
على اختلاف ديارهم في مكان واحد ليشهدوا منافع لهم، وليتعاونوا على البر والتقوى
لا على الإثم والعدوان.
قالت الأم:
- والحج جهاد لتهذيب النفس وحماية الأمة من الداخل
قالت ندى:
- وما معنى كلمتي الحج والعمرة؟
قال الأب:
- الحج في اللغة هو القصد، يقال: حج فلان الشيء إذا قصده مرة بعد
أخرى
وفي الشرع القصد لزيارة بيت الله الحرام في وقت مخصوص بأفعال
مخصوصة، وبكيفية مخصوصة، بينتها الشريعة الإسلامية.
قالت الأم:
- أما العمرة ففي اللغة معناها الزيارة، وفي الشرع زيارة بيت الله
الحرام للتقرب إليه، وقد بين النبي(صلى الله عليه وسلم) أركانها وشروطها وكيفيتها.
قالت ندى:
- ولكن ما معنى الاتمام في قوله تعالى: «وأتموا الحج والعمرة لله»
قال الأب:
- أي الاتيان بهما كاملي الأركان والشروط والآداب خالصين لوجه الله
تعالى.
قال أحمد:
- إي نعم، لأن العرب كانت تقصد الحج للاجتماع، والتظاهر، والتفاخر،
وقضاء الحوائج، وحضور الأسواق، وإلقاء الأشعار، فأمر سبحانه وتعالى المسلمين أن
ينزهوا عباداتهم من الأفعال الخطأ.
قال الأب: « وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا»
- الحج يجب على المسلم البالغ العاقل الصحيح البدن، كما يجب أن يكون
قادرا عليه بتوافر المال الذي يكفي لسفره إلى الأماكن المقدسة والعودة سالما وهذا
هو المستطيع.
قالت الأم:
- أوجب الله الحج لمنافع ينعم بها المسلم وهذه المنافع دنيوية
ودينية، مادية ومعنوية.
- ففي الحج تدريب ورياضة على الصبر واحتمال المشاق، وفيه تعارف
وتآلف، وفيه تعاون وتكاتف.
قال الأب:
- وفيه تجرد للجسم من المخيط، وللقلب من الأوزار، وفيه مغفرة وتوبة
بعد الندم على الذنب.
- وفيه تذويب للفوارق بين الناس، وتحقيق للمساواة، هذه المساواة لا تبرز
تماما إلا في الحج فهي مساواة عامة شاملة بين جميع الأجناس والألوان، وكذلك في كل
أعمال الحج على أوسع نطاق.
قالت ندى:
- والحج مؤتمر عام للمسلمين عامة، ومجلس أمن رباني حقيقي وشامل.
قال الأب:
- أتعرفين كيف يا ندى؟
- نعم فهو حقيقي لأنه غير خاضع لنفوذ البشر.
- وشامل لأنه يشمل الإنسان والحيوان والشجر
قال أحمد:
- هذه الجملة تحتاج إلى توضيح.
قالت ندى:
- لأن المكان وهو «مكة» البلد الأمين وبلد الله الحرام، لا يقطع
شجرها، ولا ينفر صيدها.
- وتشترك فيه مختلف طوائف الحجيج ليسعدوا بوحدة الكلمة واحباط كيد
الأعداء.
قال الأب:
- ولعل هذا ما يفسر كلمة الأفئدة التي جاءت في دعوة إبراهيم حين قال:
«واجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم»
قالت ندى:
- نعم يا أبي فهي لا تعني مجرد الأشخاص والأشباح التي تروح وتغدوا
وإنما تعني الأرواح والأفئدة التي تقدر ما ينبغي أن يكون لهذا الاجتماع الحاشد.
- وبالمناسبة الفؤاد هو بيت القلب.
قال أحمد:
- أعجبني رأي يقول:
«الحج عبادة شرعت لصالح جماعة المسلمين وليس لكل حاج على انفراد وإلا
لكان وجوبه على مدار أيام السنة، ولحج الناس فرادى وفي أي وقت يشاءون»
قال الأب:
- نعم، فالحج أشهر معلومات يتوافد فيها المسلمون من كل فج عميق حتى
يجمعهم مكان واحد في يوم واحد هو يوم عرفة خير الأيام وأحبها إلى الله
قالت الأم:
- وهنا ينعم الحجيج بفضيلتين، فضيلة التلاقي، وفضيلة التقرب.
الأولى: يتلاقون في صعيد واحد حيث يتعرف أبيضهم على أسودهم، وغنيهم
على فقيرهم، وقد تجردوا جميعا من الرتب والألقاب.
الثانية: يتجلى الله عز وجل على عباده الحجيج في يوم عرفة برحمته
وإحسانه، وعفوه وغفرانه، وهو يباهي بهم ملائكته فيقول سبحانه:
«انظروا يا ملائكتي إلى عبادي قد جاءوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق
يرجون رحمتي ويخشون عذابي أشهدكم أني قد غفرت لهم»
قال الأب:
- تراهم بارزين للشمس في ثياب المسكنة، مستعذبين ذل العبودية،
مستحضرين عظمة الربوبية، ملبين مهللين، مكبرين، فلا ينصرف هذا الجمع إلا وقد نزلت
عليهم سحائب الرحمة، وصب عليهم وابل المغفرة وتحقق لهم كل رجاء، واستجيب لهم كل
دعاء.
قالت ندى:
- تكلمتم عن الحج بمشاعركم ولم تسألوني بحثي الذي أعددته عن فضائل
هذا الشهر.
قال الجميع:
- معك حق والله، ولكن هل خرجت عما قلنا.
قالت ندى:
- حج النبي (صلى الله عليه وسلم) حجة واحدة هي حجة الوداع، أهم ما
يميزها هي الخطب.
فقد خطب(صلى الله عليه وسلم) أكثر من خطبة، خطب يوم عرفة، ويوم
النحر، وأيام التشريق بمنى...
قال الأب:
- فعلا.. هذه الخطب اجتمعت على تحديد ملامح المجتمع الإسلامي وأهمية
الترابط الأسري، وحرمة الدماء، والأعراض.
قالت ندى:
- ولأهمية هذه الخطب أداها الرسول (صلى الله عليه وسلم) واقفا على
ناقته
- ففي اليوم الثامن من ذي الحجة ويسمى يوم التروية توجه إلى منى،
فصلى بها خمس صلوات، ثم ضربت له قبة بنمرة فنزل بها، فلما زالت الشمس أتى بالقصواء
بطن الوادي، واجتمع حوله مائة وأربعة وأربعون ألفا من الناس فألقى فيهم هذه الخطبة
الجامعة:
«أيها الناس اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا فإن
دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا..
اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتهن بأمانة الله..
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله وسنتي.
أيها الناس إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلوا
خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، وتحجون بيت ربكم،
وأطيعوا أولات أمركم، تدخلوا جنة ربكم.. ألا هل بلغت؟ قالوا:
- بلى.. قال:
«اللهم فاشهد، فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا
ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»
وبعد أن فرغ (صلى الله عليه وسلم) من إلقاء الخطبة نزل قوله تعالى:
«اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا»
قال أحمد:
- وعندما سمع عمر رضى الله عنه ذلك بكى، وقال:
« إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان »
وشعر بدنو أجله (صلى الله عليه وسلم)
قالت ندى:
- وبعد أن أنهى(صلى الله عليه وسلم) خطبته بمنى صلى بالناس الظهر
فالعصر، ثم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة، وأتم مناسك حجه برمي الحصيات، وذبح
للشاة.
قال أحمد:
- هل صحيح ذبح (صلى الله عليه وسلم) بيده ثلاثا وستين بدنة؟
قال الأب:
- نعم وذبح على بن أبى طالب سبع وثلاثون تمام المائة.
قالت الأم:
وقد خطب النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم النحر، عاشر ذي الحجة فقال:
«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر
شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب» وأعاد
بعضا مما قاله سابقا.
قال الأب:
- وأقام (صلى الله عليه وسلم) أيام التشريق بمنى يؤدي المناسك ويعلم
الشرائع، ويذكر الله، ونحن بإذن الله تعالى سوف نسير على خطاه ونتأسى بأفعاله.
قالت ندى:
- وقد خطب صلى الله عليه وسلم في بعض أيام التشريق.. فقال:
«أليس هذا أوسط أيام التشريق؟ وكانت خطبته في هذا اليوم مثل خطبته
يوم النحر، ووقعت هذه الخطبة بعد نزول سورة النصر.
قال الأب:
- أنا سعيد جدا ببحثك يا ندى وسعدت أكثر من أننا تمكنا من تدارسه قبل
سفرنا إلى الأراضي المقدسة، ليكون لنا زادا هناك.
قال أحمد:
- وبعد عودتكما بإذن الله تعالى سأريكم إياه مدونا على الإنترنت، لكي
يستفيد به كل العالم في كل حين.
قالت ندى:
- ليتني ذهبت معكما إلى الحج.
قال أحمد:
- وأنا أيضا أشتاق لأن أحج.
قال الأب:
- لا تنسيا الصيام يوم عرفة، فيه يغفر الله الذنوب، ولكما به أجر
الحج.
قالت الأم:
- بارك الله فيك يا أحمد، وأنت يا ندى، ماذا تطلبان من هدايا من مكة
والمدينة.
قالت ندى:
- لا نريد منكما إلا الدعوات، وما دونت في هذه الورقة فقط.
ضحك الجميع، وقال الأب:
- وأنت يا أحمد ألم تكتب طلباتك في ورقة.
- هذه هي ورقتي تفضل يا أبي.
تمت سعادة أسرة ندى بالجلسة الروحية.. وقام أحمد وندى مع الأهل
بتوديع الوالدين، والدعاء لهما بالحج المبرور، والذنب المغفور الذي ليس له جزاء إلا
الجنة.. وعقبا لنا جميعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم.. نادية كيلاني