جمادى الأولى
غزوة مؤتة وذو العشيرة
جُمادَى الأولى وجُمادَى الآخرة، بفتح الدال من أسماء الشهور،
والجَمْدِ مكانٌ صلبٌ والجمع أَجْماد وجِمادٌ. والجَمادُ بالفتح: الأرض التي لم
يصبها مطرٌ. وناقةٌ جَمادٌ: لا لبنَ لها. وسنةٌ جَمادٌ: لا مطر فيها. ويقال
للبخيل: جَمادَ له، أي لا زال جامِدَ الحال
جرت ندى إلى والدها وهى تحمل
مجلدا تسأله عن معنى كلمة.
- ما معنى هذه الكلمة يا أبى.؟
- أى كلمة يا حبيبتى.؟
وما اسم هذا الكتاب.؟
- إنه الرحيق المختوم للعلامة الهندي صفي الرحمن
المباركفوري.
- إنه كتاب عظيم ياندى، فاز بالجائزة الأولى
وقدرها خمسون ألف ريال سعودي.
- نعم يا أبى وهى الجائزة
التي أعلن عنها في المؤتمر الاسلامي الأول للسيرة النبوية الشريفة الذي عقد
بباكستان.
- ومن أين عرفت هذه
المعلومات يا ندى.؟
- مدونة في مقدمة
الكتاب.
- إذا اقرائي لي المكتوب.
تقرأ ندى:
- أعلنت الرابطة في هذا
المؤتمرعن جوائز مالية مقدارها مائة وخمسون ألف ريال سعودى، توزع على أحسن خمسة
بحوث في السيرة النبوية.
تسابق العلماء حتى وصل عددها
واحد وسبعين ومائة بحث باللغات العربية والأردية، والانجليزية، والفرنسية،
والهوساوية.
قال الأب:
وقد أعلن أسماء الفائزين فى
المؤتمر الاسلامىي الآسيوي الأول الذى عقد في كراتشي.. كما
أعلن عن ذلك فى جميع الصحف.
- والآن ما الكلمة التي
تسألين عنها أيتها الباحثة العظيمة.؟
- خرجوا على ثلاثين بعيرا
يعتقبونها.
- يعنى كل اثنين أو أكثر يعتقبان
على بعير.. يتبادلون الركوب على الجمل.
- لقد تعبت كثيرا حتى أجد حدثا
وقع فى شهر جمادى الأولى.
- وهل أنهيت بحثك.؟
- بإذن الله يا أبى.
- ومتى نتدارس الموضوع.؟
- الليلة بعد العشاء
عندما يكتمل شمل الأسرة.
اجتمعت الأسرة بعد صلاة العشاء،
وأحضرت ندى أوراقها، نشرتها أمام الجميع وقالت:
- كلنا نعرف أن غزوة بدر هي أول
غزوة في الإسلام.
قال
أحمد:
- لا.. الحقيقة أن قبلها
عدة غزوات صغيرة وبعض السرايا بمثابة التمهيد لغزوة بدر.
قالت الأم :
وماذا كان سبب هذه الغزوات يا
ترى.
قالت ندى:
- كره المشركون أن يجد
المسلمون مأمنا ومقرا لهم بالمدينة المنورة
فقاموا ببعض الاستفزازات ضد المسلمين.
واتصلوا بعبد الله بن أبى بن
سلول يحرضوه على قتال النبي وأصحابه. قال
أحمد:
- أليس هذا رئيس الانصار
قبل الهجرة.
- نعم.. والذى كانوا
سيتوجونه ملكا عليهم لولا أن هاجر الرسول وآمنوا به.
قال الأب:
- كان أبي بن سلول يحقد
على النبي ويراه قد استلبه ملكه، فلما بلغه هذا الكتاب قام ليمتثل أوامر إخوانه
المشركين من أهل مكة، وظل يتحين الفرصة لإيقاع الشر بالمسلمين.
قالت ندي:
- ثم إن قريشا أرسلت إلى
المسلمين تقول لهم:
«لا
يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم فى عقر داركم»
فكان المسلمون لا يبيتون إلا
بالسلاح، ولا يصبحون إلا فيه
قالت الأم:
- وهذا وضع شاق جدا بلا
شك.
قالت ندى:
- فى هذه الظروف الخطيرة
أنزل الله تعالى الإذن بالقتال.. قال تعالى:
« أذن
للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، والله على نصرهم لقدير»
وما كان هذا الإذن إلا لإزاحة الباطل، وإقامة
شعائر الله.. قال تعالى:
«الذين
إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر»
- فكان من الحكمة إزاء قوة قريش
وتمردها أن يبسط المسلمون سيطرتهم على طريق قريش التجارية .
قالت الأم
- رحلة الشتاء والصيف.
قالت ندى:
واختار (صلى الله عليه وسلم) لذلك خطتين.
الأولى: عقد معاهدات الحلف أو
عدم الاعتداء مع القبائل المجاورة لهذا الطريق.. مثل معاهدته مع اليهود، ومع قبيلة
جهينة
الثانية: إرسال البعوث الواحدة
تلو الأخرى إلى هذا الطريق، ولتنفيذ هاتين الخطتين لابد من أن يدب في المسلمين
النشاط .
وفعلا قاموا بما يشبه الدوريات
الاستطلاعية، للتعرف على الطريق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة.
قال أحمد:
- ولذلك عقد المعاهدات مع
القبائل التى مساكنها على هذه الطرق
- نعم ولإشعار مشركى ويهود
يثرب وأعراب البادية حولها، أن المسلمين أقوياء
قال الأب:
- وأيضا انذار قريش حتى
تفيق عن غيها، وتشعر بالخطرعلى اقتصادها
فتجنح إلى السلم، يصير المسلمون
أحرارا في إبلاغ رسالة الله
قال أحمد:
- وكيف بدأ تنفيذ الخطة.؟
- أرسل (صلى الله عليه وسلم) عدة سرايا وقام بعدة
غزوات.
قالت الأم :
- وما الفرق بين السرية
والغزوة.؟
قال الأب:
-
الغزوة هى التى خرج فيها الرسول (صلى الله عليه
وسلم) بنفسه سواء حارب أم لم يحارب.
- أما الذى خرج فيها أحد قادته
فهى سرية.
قالت الأم:
- وكم سرية وكم غزوة حدثت
فى هذه الفترة.؟
قالت ندى:
- ثمانية تقريبا ما يهمنا
منها غزوة ذى العشيرة في جمادى الأولى والآخرة من
السنة الثانية .
- وفيها خرج الرسول (صلى الله
عليه وسلم) فى خمسين ومائة أو مائتين من المهاجرين.. على ثلاثين بعيرا يعتقبونها
يعترضون عير قريش، الذاهبة إلى الشام، فبلغ(صلى الله عليه وسلم) ذا العشيرة أو
العشيراء وهو موضع بناحية ينبع، فوجد العير قد فاتته بأيام.
قال الأب:
- لا تنسي أن حامل لواءها حمزة بن عبد المطلب (رضي الله
عنه)
- نعم ولما قرب رجوعها من الشام
إلى مكة بعث (صلى الله عليه وسلم) طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد إلى الشمال،
ليقوما باكتشاف خبرها.
فوصلا إلى المكان المحدد، ومكثا
حتى مر بهما أبو سفيان بالعير فأسرعا إلى المدينة، وأخبرا رسول الله بالخبر (صلى
الله عليه وسلم) وكانت العير محملة بثروات طائلة.
قرأ أحمد :
- ألف بعير محملة
بالاموال، لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي، ولم يكن معها من الحرس إلا نحو أربعين
رجلا.. إنها فرصة ذهبية لعسكر المدينة،
وضربة عسكرية وسياسية واقتصادية
قاصمة ضد المشركين لأنهم فقدوا هذه الثروة الطائلة، لذلك أعلن رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) فى المسلمين قائلا:
«هذه عير قريش فيها
أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها»
- ولم يعزم على أحد بالخروج، بل
ترك الأمر للرغبة المطلقة
- لم يكن يتوقع (صلى الله عليه وسلم) أنه سيصطدم بجيش مكة بدل
العير
- فصارت سببا لغزوة بدر
الكبرى، وهى أول معركة فاصلة من معارك الاسلام .
- فى هذه الغزوة عقد رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) معاهدة عدم اعتداء مع بنى مدلج وحلفائهم من بنى ضمرة، واستخلف
على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي..
وكان الواء أبيض وحامله حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه.
****
قال الأب:
- أنا مبهور بهذا البحث
الشيق، والمضنى فى الوقت ذاته، وهل من غزوة أخرى مهمة حدثت فى شهر جمادى الأولى.
قالت ندى:
- نعم يا أبي.. غزوة مؤتة.
قال الأب :
- آه.. هذه المعركة أكبر
حرب دامية خاضها المسلمون فى حياة الرسول
(صلى الله عليه وسلم) وذلك فى جمادى الأولى من العام الثامن للهجرة (أغسطس 629 م).. وهى مقدمة لفتوح بلاد النصارى.
قالت الام :
- ولكن ماذا كان سبب هذه
المعركة.؟
قال الأب:
- سببها أن النبى (صلى
الله عليه وسلم) بدأ يبعث الرسائل للبلدان
المجاورة ليدعوهم إلى الإسلام.
- وقد بعث (صلى الله عليه
وسلم) الحارث بن عمير الأزدى إلى قيصر الرومان، فلقيه شرحبيل عامل قيصر
وقتله.
قال أحمد :
- وكان قتل السفراء
والرسل من أشنع الجرائم
- بل هو بمثابة إعلان
الحرب فجهز (صلى الله عليه وسلم) جيشا من ثلاثة آلاف مقاتل.
- وهل يكفى ثلاثة آلاف
فقط.؟
- إنه أكبر جيش إسلامى
بعد غزوة الأحزاب.
- ولكن جيش الروم ضخم
العدد والعدة.!
قالت ندى:
- ولكن المسلمين لا
يحاربون بالعدد وإنما بقوة الايمان.
- أمرّ (صلى الله عليه
وسلم) على هذا الجيش زيد بن حارثة،
«وقال
إن قتل زيد فجعفر بن أبى طالب، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة»
وعقد لهم لواء أبيض.. وأوصاهم أن يأتوا فى
المكان الذى قتل فيه الحارث بن عمير.. وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا
وإلا استعانوا بالله سبحانه وتعالى عليهم وقاتلوهم، وفى هذه الغزوة أوصاهم (صلى الله عليه وسلم) قائلا:
«اغزو بسم الله، فى سبيل
الله، من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا كبيرا فانيا، ولا
منعزلا بصومعته، ولا تقطعوا نخلا ولا شجرا، ولا تهدموا بناء»
- الله على سماحة الإسلام
- خرج الجيش ورسول
الله معهم مشيعا.
وكان عبد الله بن رواحة مشتاقا للشهادة فأخذ
ينشد
لكنني أسأل الرحمن مغفـرة ----
وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدى حران مجهزة ---- بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثى ----
أرشد الله من غاز، وقد رشدا
- حتى وصلوا ثنية الوداع، فوقف
(صلى الله عليه وسلم) وودعهم وتحرك الجيش الإسلامي في اتجاه الشمال فجاءهم الخبر
بأن هرقل سيقابلهم في مائة ألف من الروم وانضم إليهم مائة ألف أخرى من عدة مدن.
- ظل المسلمون يفكرون فى أمرهم ويتشاورن ثم
فكروا فى أن يكتبوا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعدد عدوهم ليرى لهم
الرأى.
- عارض هذا الرأى عبد
الله بن رواحة، وأخذ يحمس الناس ويشجعهم على القتال ويقول:
«يا قوم والله إن التى
تكرهون هو للتى خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد، ولا قوة ولا كثرة،
ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين،
إما ظهور وإما شهادة»
قالت
الأم:
- وهل امتثلوا لرأيه.؟
قالت
ندى:
- نعم: استقر الرأى على
هذا وبدأوا يتحركون إلى أرض العدو.
- انحاز المسلمون إلى
مؤتة وعسكروا فيها وتعبأوا للقتال، وبدأ القتال المرير.
- أخذ أحمد يقرأ :
- أخذ الراية زيد بن
حارثة وجعل يقاتل بضراوة وبسالة لا يوجد لها نظير حتى خر صريعا، ثم أخذ الراية
جعفر بن أبى طالب، وأخذ يقاتل قتالا ليس له نظير حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية
بشماله، فقطعت شماله، فاحتضن الراية بعضدية، واستمر رافعا لها حتى قتل.
- أثابه الله بجناحين فى
الجنة يطير بهما حيث يشاء.. ولذلك سمى
بجعفر الطيار.
-
يحكى ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال:
«وقفت على جعفر وهو قتيل فعددت
خمسين طعنة فى جسده ليس منها شىء فى ظهره»
قالت ندى:
- أخذ الراية عبد الله بن رواحة
وتقدم بها وهو على فرسه، ويقال أتاه ابن عمه بعرق من لحم فقال:
شد بهذا صلبك فإنك قد لقيت فى أيامك هذه ما
لقيت، فأخذه ونهس منه نهسه، وكأنه تذكر الجنة فألقاه، وأخذ سيفه وقاتل حتى قتل:
قالت الأم:
- هذا بالضبط كما أخبرهم رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) فما ينطق عن الهوى.
قال الأب.
- نعم.. فقد كان الوحى يخبره بالمعركة وكأنه يراها،
فيقول:
«أخذ
الراية زيد فأصيب، ثم جعفر فأصيب، ثم ابن رواحة فأصيب حتى أخذ الراية سيف من سيوف
الله، حتى فتح الله عليهم»
صاحت ندى
- خالد بن الوليد سيف
الله المسلول، قاتل خالد قتالا مريرا فقد روى البخارى عن خالد أنه قال:
«لقد انقطعت فى يدى يوم
مؤتة تسعة أسياف»
واستطاع خالد بنبوغه أن يخلص
المسلمين من هذه الورطة
قال أحمد:
-
كيف أنقذ خالد جيش المسلمين من الهلاك.؟
قالت
ندى
- أكيد فكر فى مكيدة تلقى الرعب فى
قلوب وصفوف الرومان، فقد صمد أمام جيش الرومان طوال النهار.
قال
الأب:
- وفى اليوم التالى غير أوضاع
الجيش جعل من فى المؤخرة فى المقدمة، ومن فى الميمنة فى الميسرة
قال
أحمد:
- هذه الحيلة الذكية
أوهمت الأعداء أنهم جاءوا بمدد من المجاهدين.
قال
الأب:
نعم.. وبعد أن ثبتوا أمامهم ساعة أخذ يتأخر بالمسلمين
مع حفظ النظام
قالت ندى:
- فظن العدو أنها مكيدة
من المسلمين ليرموا بهم فى الصحراء فلم يتبعوهم
وبذلك عاد المسلمون إلى المدينة
سالمون.
قال أحمد:
- استشهد فى غزوة مؤتة
اثنا عشر رجلا وقتل كثير من الرومان.
قال الأب:
- هذه المعركة كانت كبيرة
الأثر لسمعة المسلمين.. حيث أن لقاء ثلاثة آلاف مع هذا الجيش الضخم ثم الرجوع دون
خسارة كان ذلك من عجائب الدهر
قالت الأم:
- لابد أنهم علموا أن
المسلمين مؤيدون من عند الله وأن صاحبهم رسول الله حقا.
قالت ندى:
- نعم.. ولذلك نرى القبائل التي
كانت لدودة للمسلمين تجنح للإسلام بعد هذه المعركة.. فأسلمت بنو سليم، وأشجع،
وغطفان، وزبيان، وفزارة، وغيرها
ثم إن هذه المعركة كانت تمهيدا
لفتح البلدان الرومانية.. كما كانت التمهيد لإرسال سرية ذات السلاسل فى جمادى
الأخرة.
قال أحمد:
- آه يا أنا
- ماذا بك تتألم
- دائما تنهون كلامكم
وتبدأ مهمتى على الكمبيوتر.
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم.. نادية كيلاني